فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} نهي عن الاتصاف بخلاف حال الإسلام وقت الموت، والمفهوم من الآية ظاهرًا النهي عن الموت على خلاف تلك الحال، وليس بمقصود لأنه غير مقدور وإنما المقدور قيده فيعود النهي إليه، والمراد من الأمر الذي يشير إليه ذلك النهي الثبات على الإسلام لأنه اللازم له، والمقصود من التوصية، ولأن أصل الإسلام كان حاصلًا لهم، وإنما أدخل حرف النفي على الفعل مع أنه ليس منهيًا عنه للدلالة على أن موتهم لا على الإسلام موت لا خير فيه، وأن حقه أن لا يحل بهم وأنه يجب أن يحذروه غاية الحذر، وذكر بعضهم أن الإسلام المأمور به هنا ما يكون بالقلب دون العمل بالجوارح لأن ذلك مما لا يكاد يمكن عند الموت ولهذا ورد في الحديث: «اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتفوه على الإيمان» ولا يخفى ما فيه. اهـ.

.قال الخازن:

{فلا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون} أي مؤمنون مخلصون فالمعنى دوموا على إسلامكم حتى يأتيكم الموت وأنتم مسلمون لأنه لا يعلم في أي وقت يأتي الموت على الإنسان. وقيل: في معنى وأنتم مسلمون أي محسنون الظن بالله عز وجل يدل عليه ما روي عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: «لا يموتن أحدكم إلاّ وهو يحسن الظن بربه» أخرجاه في الصحيحين. اهـ.

.قال في البحر المحيط:

{فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون}: هذا استثناء من الأحوال، أي إلا على هذه الحالة، والمعنى: الثبوت على الإسلام، والنهي في الحقيقة إنما هو عن كونهم على خلاف الإسلام. إلا أن ذلك نهى عن الموت، ونظير ذلك في الأمر: مت وأنت شهيد، لا يكون أمرًا بالموت، بل أمر بالشهادة، فكأنه قال: لتستشهد في سبيل الله، وذكر الموت على سبيل التوطئة للشهادة. وقد تضمن هذا الكلام إيجازًا بليغًا ووعظًا وتذكيرًا، وذلك أن الإنسان يتيقن بالموت ولا يدري متى يفاجئه. فإذا أمر بالتباس بحالة لا يأتيه الموت إلا عليها، كان متذكرًا للموت دائمًا، إذ هو مأمور بتلك الحالة دائمًا،. وهذا على الحقيقة نهي عن تعاطي الأشياء التي تكون سببًا للموافاة على غير الإسلام، ونظير ذلك قولهم: لا أرينك هنا، لا ينهي نفسه عن الرؤية، ولكن المعنى على النهي عن حضوره في هذا المكان، فيكون يراه، فكأنه قال: اذهب عن هذا المكان. ألا ترى أن المخاطب ليس له أن يحجب إدراك الآمر عنه إلا بالذهاب عن ذلك المكان، فأتى بالمقصود بلفظ يدل على الغضب والكراهة، لأن الإنسان لا ينهى إلا عن شيء يكره وقوعه.
وقد اشتملت هذه الجملة على لطائف، منها: الوصية، ولا تكون إلا عند خوف الموت. ففي ذلك ما كان عليه إبراهيم من الاهتمام بأمر الدين، حتى وصى به من كان ملتبسًا به، إذ كان بنوه على دين الإسلام. ومنها اختصاصه ببنيه، ولا يختصهم إلا بما فيه سلامة عاقبتهم. ومنها أنه عمم بنيه، ولم يخص أحدًا منهم، كما جاء في حديث النعمان بن بشير، حين نحله أبوه شيئًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتحب أن يكونوا لك في البر سواء؟» ورد نحله إياه وقال: لا أشهد على جور. ومنها إطلاق الوصية، ولم يقيدها بزمان ولا مكان. ثم ختمها بأبلغ الزجر أن يموتوا غير مسلمين. ثم التوطئة لهذا النهي والزجر بأن الله تعالى هو الذي اختار لكم دين الإسلام، فلا تخرجوا عما اختاره الله لكم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وللعرب في النهي المراد منه النهي عن لازمه طرق ثلاثة:
الأول: أن يجعلوا المنهي عنه مما لا قدرة للمخاطب على اجتنابه فيدلوا بذلك على أن المراد نفي لازمه مثل قولهم لا تنس كذا أي لا ترتكب أسباب النسيان، ومثل قولهم: لا أعرفنك تفعل كذا أي لا تفعل فأعرفك لأن معرفة المتكلم لا ينهى عنها المخاطب، وفي الحديث: «فلا يذادن أقوام عن حوضي».
الثاني: أن يكون المنهي عنه مقدورًا للمخاطب ولا يريد المتكلم النهي عنه ولكن عما يتصل به أو يقارنه فيجعل النهي في اللفظ عن شيء ويقيده بمقارنه للعلم بأن المنهي عنه مضطر لإيقاعه فإذا أوقعه اضطر لإيقاع مقارنه نحو قولك لا أراك بثياب مشوهة، ومنه قوله تعالى: {فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.
الثالث: أن يكون المنهي عنه ممكن الحصول ويجعله مفيدًا مع احتمال المقام لأن يكون النهي عن الأمرين إذا اجتمعا ولو لم يفعل أحدهما نحو لا تجئني سائلًا وأنت تريد أن لا يسألك فإما أن يجيء ولا يسأل وإما أن لا يجيء بالمرة، وفي الثانية إثبات أن بني إبراهيم ويعقوب كانوا على ملة الإسلام وأن الإسلام جاء بما كان عليه إبراهيم وبنوه حين لم يكن لأحد سلطان عليهم، وفيه إيماء إلى أن ما طرأ على بنيه بعد ذاك من الشرائع إنما اقتضته أحوال عرضت وهي دون الكمال الذي كان عليه إبراهيم ولهذا قال تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران: 19] وقال: {وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل} [الحج: 78]. اهـ.

.قال التستري:

{يَا بَنِيَّ إِنَّ الله اصطفى لَكُمُ الدين فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [132]. وإنما تعبد الله الخلق على حسب طاقاتهن، والذين قيل لهم: {اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] طولبوا بالتقوى على حسب معرفتهم بالله، فكان معنى ذلك، أي اتقوا الله حق تقاته ما قدرتم عليه، لا أنه رخص في ترك التقوى بتلك الآية: {وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] أي مسلمون لأمر الله بكل حال مفوضون إليه، والآخرون ردوا إلى الاجتهاد، فافهم الفرق بين الاثنين في الخطاب، إذا كان اللفظ متفقًا والمعنى مختلفًا خاص وعام. قال أبو بكر: ثم قال سهل: لو دعا المتقون على المسرفين لهلك الأولون والآخرون منهم، ولكن الله جعل المتقين رحمة للظالمين ليستنقذهم بهم، فإنّ أكرم الخلق على الله عزَّ وجلَّ المتقون كما قال الله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] فمن أراد كرامة الله عزَّ وجلَّ فليتَّقِه، فإنه ينال بالتقوى كرامته، والدخول إلى جنته، ويسكن في جواره، ويفوز فوزًا عظيمًا.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال القشيري:

{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ}.
أخبر أن إبراهيم عليه السلام وصَّى بنيه، وكذلك يعقوب عليه السلام قال لبنيه لا يصيبنكم الموت إلا وأنتم بوصف الإسلام. فشرائعهم- وإن اختلفت في الأفعال- فالأصل واحد، ومشرب التوحيد لا ثاني- له في التقسيم- وقوله تعالى: {إن الله اصطفى لكم الدين} بِشارة بما تقوي به دواعيهم على الرغبة فيما يكلفهم من الإسلام، لأنهم إذا تحققوا أن الله سبحانه اصطفى لهم ذلك علموا أنه لا محالة يعينهم فيسهل عليهم القيام بحق الإسلام. اهـ.

.من لطائف السهيلي:

وبنو إسرائيل: هم بنو يعقوب وكان يسمى: إسرائيل أي سري الله لكن لم يذكروا في القراءة إلا أضيفوا إلى إسرائيل ولم يسموا فيه بنو يعقوب ومتى، ذكر إبراهيم وإسحاق ويعقوب لم يسم إسرائيل وذلك لحكمة فرقانية وهو أن القوم لما خوطبوا بعبادة الله وفكروا بدين أسلافهم موعظة لهم وتنبيها من غفلتهم سموا بالاسم الذي فيه تذكرة بالله فإن إسرائيل اسم مضاف إلى الله تعالى في التأويل. ألا ترى: كيف نبه على هذا المعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم- حين دعا إلى الإسلام قوما، يقال لهم بنو عبد الله فقال لهم يا بني عبد الله إن الله قد حسن اسم أبيكم يحرضهم بذلك على ما يقتضيه اسمهم من العبودية لله فكذلك قوله سبحانه: {يا بني إسرائيل} إنما ورد في معرض التذكرة لهم بدين أبيهم وعبوديته لله فكان ذكرهم بهذا الاسم أليق بمقام التذكرة والتحريض من أن يقول لهم يا بني يعقوب ولما ذكر موهبته لإبراهيم وتبشيره بإسحاق ثم يعقوب كان لفظ يعقوب أولى بذلك المقام لأنها موهبة بعقب أخرى، وبشرى عقب بها بشرى وإن كان اسم يعقوب عبرانيا، ولكن لفظه موافق للعربي في العقب والتعقيب فانظر مشاكلة الاسمين للمقامين فإنه من باب النظر في إعجاز القرآن وبلاغة ألفاظه وتنزيل الكلام في منازله اللائقة به. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (132)}.
عندما تقرأ كلمة وصى فاعلم أن الوصية تأتي لحمل الإنسان على شيء نافع في آخر وقت لك في الدنيا؛ لأن آخر ساعات الإنسان في الدنيا إن كان قد عاش فيها يغش الناس جميعا فساعة يحتضر لا يغش نفسه أبدا ولا يغش أحدا من الناس لماذا؟ لأنه يحس إنه مقبل على الله سبحانه فيقول كلمة الحق. النصح أو الوصية هي عظة تحب أن يستمسك بها من تنصحه وتقولها له مخلصا في آخر لحظة من لحظات حياته.. ولذلك سيأتي الله سبحانه وتعالى ليبين لنا ذلك في قوله: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي} من الآية 133 سورة البقرة.
وهكذا يريد الله سبحانه أن يبين لنا أن الوصية دائما تكون لمن تحب.. وأن حب الإنسان لأولاده أكيد سواء أكان هذا الإنسان مؤمنا أم كافرا.. ونحن لا نتمنى أن يكون في الدنيا من هو احسن منا إلا أبناءنا ونعمل على ذلك ليكون لهم الخير كله. وصى إبراهيم بنيه، ويعقوب وصى بنيه.. ولكانت الوصية {يا بني إن الله اصطفى لكم الدين} إذن فالوصية لم تكن أمرا من عند إبراهيم ولا أمرا من عند يعقوب ولكن كانت أمرا اختاره الله للناس فلم يجد إبراهيم ولا يعقوب أن يوصيا أولادهما إلا بما اختاره الله.. فكأن إبراهيم ائتمن الله على نفسه فنفذ التكاليف وائتمنه على أولاده فأراد منهم أن يتمسكوا بما اختاره لهم الله.
قوله تعالى: {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب}.. إبراهيم هو الأب الكبير وابنه إسحاق وابن إسحاق يعقوب.. ويعقوب هو الأب المباشر لليهود.. ويعقوب وصاهم كما يروي لنا القرآن الكريم: {يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}. أنت لا تنهى إنسانا عن أمر إلا إذا كان في إمكانه أن يتجنبه ولا تأمره به إلا إذا كان في إمكانه أن ينفذه.. فهل يملك أولاد يعقوب أن يموتوا وهم مسلمون؟ والموت لا يملكه أحد.. إنه يأتي في أي وقت فجأة.. ولكن مادام يعقوب قد وصى بنيه: {لا تموتن إلا وأنتم مسلمون} فالمعنى لا تفارقوا الإسلام لحظة حتى لا يفاجئكم الموت إلا وأنتم مسلمون.
والله سبحانه وتعالى أخفى موعد الموت ومكانه وسببه.. ليكون هذا إعلاما به ويتوقعه الناس في أي سن وفي أي مكان وفي أي زمان.. ولذلك قد نلتمس العافية في أشياء يكون الموت فيها.. والشاعر يقول:
إن نام عنك فكل طب نافع ** أو لم ينم فالطب من أسبابه

أي إن لم يكن قد جاء الأجل، فالطب ينفعك ويكون من أسباب الشفاء.. أما إذا جاء الأجل فيكون الطب سببا في الموت، كأن تذهب لإجراء عملية جراحية فتكون سبب موتك.. فالإنسان لابد أن يتمسك بالإسلام وبالمنهج ولا يغفل عنه أبدا.. حتى لا يأتيه الموت في غفلته فيموت غير مسلم.. والعياذ بالله. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)}.
أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن أسد بن يزيد قال: في مصحف عثمان {ووصَّى} بغير ألف.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ووصى بها إبراهيم بنيه} قال: وصاهم بالإِسلام، ووصى يعقوب بنيه مثل ذلك.
وأخرج الثعلبي عن فضيل بن عياض في قوله: {فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} أي محسنون بربكم الظن.
وأخرج ابن سعد عن الكلبي قال: ولد لإِبراهيم اسمعيل وهو أكبر ولده وأمه هاجر وهي قبطية، وإسحاق وأمه سارة، ومدن ومدين، وبيشان وزمران، وأشبق وشوح وأمهم قنطوراء من العرب العاربة، فأما بيشان فلحق بنوه بمكة وأقام مدين بأرض مدين فسميت به، ومضى سائرهم في البلاد وقالوا لإِبراهيم: يا أبانا أنزلت إسمعيل وإسحاق معك وأمرتنا أن ننزل أرض الغربة والوحشة؟ قال: بذلك أمرت. فعلمهم اسمًا من أسماء الله، فكانوا يستسقون به ويستنصرون. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)}.
قرئ: {وَصَّى}، وفيه معنى التكثير باعتبار المفعول الموصَّى، وأوصى رباعيًا، وهي قراءة نافع، وابن عامر، وكذلك هي في مصاحف المدينة والشام.
وقيل: أوصى ووصى بمعنى.
والضمير في {بها} فيه ستّة أقوال:
أحدها: أنه يعود على الملّة في قوله: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: 130].
قال أبو حيان: وبه أبتدأ الزمخشري، ولم يذكر المهدوي غيره.
والزمخشري رحمه الله لم يذكر هذا، وإنما ذكر عوده على قوله: {أسلمت} لتأويله بالكلمة.
قال الزمخشري: والضمير في {بها} لقوله: {أسلمت لرب العالمين} على تأويل الكلمة والجملة، ونحوه رجوع الضمير في قوله: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً} [الزخرف: 28] إلى قوله: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الذي فَطَرَنِي} [الزخرف: 26 27] وقوله: {كَلِمَةً بَاقِيَةً} دليل على أن التأنيث على معنى الكلمة. انتهى.
الثاني: أنه يعود على الكلمة المفهومة من قوله: {أسلمت} كما تقدم تقريره عن الزمخشري.
قال ابن عطية: وهو أصوب لأنه أقرب مذكور.
الثالث: أنه يعود على متأخرن وهو الكلمة المفهومة من قوله: {فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ}.
الرابع: أنه يعود على كلمة الإخلاص، وإن لم يَبْدُ لها ذكر قاله الكلبي ومقاتل.
الخامس: أنه يعود على الطَّاعة للعلم بها أيضًا.
السادس: أنه يعود على الوصيّة المدلول عليها بقوله: {ووصّى}، و{بها} يتعلّق ب {وَصَّى} و{بنيه} مفعول به.
قوله: {وَيَعْقُوب} والجمهور على رفعة وفيه قولان:
أظهرهما: أنه عطف على {إبراهيم}، ويكون مفعوله محذوفًا، أي: ووصى يعقوب بنيه أيضًا.
والثاني: أن يكون مرفوعًا بالابتداء، وخبره محذوف تقديره: ويعقوب قال: يا بني إن الله اصطفى.
وقرأ إسماعيل بن عبدالله، وعمرو بن فائد بنصبه عطفًا على {بنيه}، أي: ووصّى إبراهيم يعقوب أيضًا.
ولم ينقل أنّ يعقوب جده إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وإنما ولد بعد موته قاله الزمخشري، وعاش يعقوب مائة وسبعة وأربعين سنة، ومات بمصر، وأوصى أن يحمل إلى الأرض المقدسة ويدفن عند ابنه إسحاق، فحمله يوسف، ودفنه عنده.
قوله: {يَا بَنِي} فيه وجهان:
أحدهما: أنه مقول إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وذلك على القول بعطف يعقوب على إبراهيم، أو على قراءته منصوبًا.
والثَّاني: أنه من مقول يعقول إن قلنا رفعه باللابتداء، ويكون قد حذف مقول إبراهيم عليه الصلاة والسلام للدلالة عليه تقديره: ووصّى إبراهيم بنيه يا بني.
وعلى كل تقدير فالجملة من قوله: {يا بني} وما بعدها منصوبة بقول محذوف على رأي البصريين، أي: فقال يابني، وبفعل الوصية؛ لأنها في معنى القول على رأي الكوفيين، قال النحاس: يا بني نداء مضاف، وهذه ياء النفس لا يجوز هنا إلا فتحها؛ لأنها لو سكنت لا لتقى سكنان، وبمعناه {بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم: 22] ونحوه. وقال الراجز: الرجز:
رَجْلاَنِ مِنْ ضَبَّةَ أَخْبَرَانَا ** إِنَّا رَأَيْنَا رَجُلًا عُرْيَانَا

بكسر الهمزة على إضمار القول، أو لإجراء الخبر مجرى القول، ويؤيد تعلّقها بالوصية قراءة ابن مسعود: {أن يا بني} ب {أن} المفسرة ولا يجوز أن تكون هنا مصدرية لعدم ما يَنْسبك منه مصدر.
قال الفراء: ألغيت أن لأن التوصية كالقول، وكل كلام رجع إلى القول جاز فيه دخول أن وجاز إلغائها، وقال النحويون: إنما أراد أن وألغيت ليس بشيء. ومَنْ أبَى جعلها مفسرة وهم الكوفيون يجعلونها زائدة.
و{يعقوب} علم أعجمي ولذلك لا ينصرف، ومن زعم أنه سُمِّي يعقوب؛ لأنه وُلِد عقب العيص أخيه، وكانا توأمين، أو لأنه كثر عَقبهُ ونَسْلُه فقد وهم؛ لأنه كان ينبغي أن ينصرف، لأنه عربي مشتق.
ويعقوب أيضًا ذَكَرُ الْحَجَل، إذ سمي به المذكر انصرف؛ والجمع يَعَاقِبَة وَيَعَاقِيب، و{اصْطَفَى} ألفه عن ياء تلك الياء منقلبة عن واو؛ لأنها من الصَّفْوة، ولما صارت الكلمة أربعة فصاعدًا، قلبت ياء، ثم انقلبت ألفًا.
اصْطَفَى: اختار.
قال الراجز: الرجز:
يا ابْنَ مُلُوكٍ وَرَّثُوا الأمْلاَكَا ** خِلآفةَ اللهِ الَّتِي أَعْطَاكَا

لَكَ اصْطَفَاهَا وَلَهَا اصْطَفَاكَا

والدين: الإسلام.
و{لكم} أي لأجلكم، والألف واللام في {الدين} للعهد؛ لأنهم كانوا عرفوه.
قوله: {إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ} هذا استثناء مفرغ من الأحوال العامة، و{أنتم مسلمون} مبتدأ وخبر في محلّ نصب على الحال، كأنه قال تعالى: {لا تموتنّ على كل حالا إلا على هذه الحال}، والعامل فيها ما قبل إلا. اهـ. باختصار يسير.